يعتقد العلماء أن التكنولوجيا الخضراء المتمثلة في الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية وغيرها من التقنيات الراسخة ليست كافية وحدها للتصدي لأزمة التغير المناخي العالمي، لذا فإننا بحاجة إلى تقنيات حديثة، مثل فلتر “الماموث” الضخم لتنقية الهواء، والذي يستهدف سحب الأطنان من جزيئات ثاني أكسيد الكربون السامة من الغلاف الجوي أملًا في الوصول بأمان إلى بر الحياد المناخي والتخفيف من آثار الانبعاثات الكربونية الضارة في العالم.
نيو نيوز - حول العالم
بعد عقود من الزيادة المطردة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بدأت الشركات المتخصصة في تطوير تقنيات حديثة تعمل على سحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، في اتخاذ خطوات جادة بصدد إنتاج أكبر مرشح لتنقية الهواء من جزيئات الغاز السام وتخزينه على الدوام تحت الأرض.
وفي 8 مايو 2024، افتتحت شركة Climeworks، وهي شركة سويسرية ناشئة، أكبر مصنع لامتصاص الكربون في العالم في هيليسيدي، أيسلندا. حيث صُمِّم المصنع الذي أطلق عليه اسم “الماموث” لإزالة 36 ألف طن متري من الكربون كل عام، وهو ما يعادل التخلص من نحو 8,600 سيارة على الطريق.
ولعل هذا ما يجعل المشروع الجديد Mammoth أكبر بتسع مرات من مصنع أوكرا OCRA صاحب الرقم القياسي السابق، والذي افتتح في أيسلندا في عام 2021.
وبالرغم من نجاح أوكرا بوصفه أكبر مصنع في العالم قادر على تصفية ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه دائما تحت الأرض آنذاك، إلا أن العلماء يرونه محدودًا في الوقت الحاضر نظرًا لملايين الأطنان من الكربون التي ما زال العالم بحاجة إلى التخلص منها. وذلك للحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين فوق متوسط ما قبل عصر الصناعة.
كيف تسير الأمور في مكنسة الماموث المعدة لسحب الكربون؟
يمكن القول إن مصنع Climeworks Mammoth هو في الأساس عبارة عن مرشح أو مصفاة عملاقة، يتكون من عدد من المراوح المزودة بمرشحات مصممة لالتقاط جزيئات ثاني أكسيد الكربون العالقة في الغلاف الجوي، والتي تشكل حصة صغيرة من كتلة الهواء – فقط 0.04 بالمئة.
ثم تأتي الخطوة التالية من خلال عملية طورتها شركة كاربفيكس “Carbfix” الأيسلندية، حيث يتم استخلاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وخلطه بالماء، ثم ضخه في باطن الأرض على عمق يتراوح بين 800 و2,000 متر. حيث يتفاعل مع الصخور البازلتية، ويتحول إلى حجر، وبالتالي يُمكن أن يبقى مخزنا لملايين السنين.
وتعتمد العملية برمتها على الطاقة الحرارية الجوفية الوفيرة في أيسلندا لذا فإن تشغيل الآلات الخاصة بالمصانع المتخصصة في تنقية الهواء من ثاني أكسيد الكربون لا يؤدي إلى إطلاق المزيد من الانبعاثات السامة في الهواء.
وبحسب نتائج الاستطلاع التي نشرتها مجلة Nature العلمية المحكمة في عام 2021، فإن مشروع أوكرا وغيره من التقنيات السابقة قد نجحت بالفعل في التخلص من الكربون، مع وجود كميات قليلة جدًا من الانبعاثات.
كيف يمكن الاستفادة من التقنية الحديثة لمحاربة التغير المناخي؟
وفيما يتعلق بوصول الخدمة إلى الجمهور، تقوم شركة Climeworks بعد ذلك بتقديم عروضها، أو فيما يعرف بالعمليات المقابلة أو offsets إلى المستهلكين بناءً على كمية الكربون الذي يتم التخلص منه أو بالأحرى احتجازه.
ووفقًا للموقع الرسمي للشركة، فقد سجل أكثر من 20 ألف شخص طلب للحصول على خدمة التخلص من الكربون، بما في ذلك شركات كبرى مثل Microsoft وShopify وStripe.
وبالرغم من أن الشركة لم تعلن صراحة عن باقات الأسعار بالنسبة للمؤسسات الكبرى، إلا أنها أوضحت أنها تقدم اشتراكات لإزالة الكربون للأشخاص العاديين بسعر 1,500 دولار لكل طن متري من الكربون الذي يُزال.
ومع استمرار التوسع في بناء مصانع إزالة الكربون، يأمل الخبراء في أن تنخفض التكاليف إلى ما يقرب من 100 دولار للطن، وهو السعر المستهدف الذي تسعى إليه العديد من الشركات الناشئة.
الماموث… بداية الانطلاقة للتجارب الواعدة
يعتقد الخبراء أن مصنع الماموث الهائل الذي حطم الأرقام القياسية قد يكون عرضة للتراجع أمام منشآت أكبر بكثير من المقرر افتتاحها خلال العقد الجاري. وفي العام المقبل، تخطط إحدى الشركات التابعة لشركة النفط العالمية أوكسيدنتال بتروليوم لافتتاح مصنع في تكساس قادر على إزالة 500 ألف طن متري من الكربون سنويا، فيما يعادل الانبعاثات الصادرة عن 119 ألف سيارة.
هذا وتقوم شركة Climeworks حاليًا بوضع حجر الأساس لمصنع آخر في لويزيانا تقول إنه سيزيل مليون طن من الكربون سنويًا بحلول عام 2030. أي قادر على تخليص العالم من عوادم 238 ألف سيارة.
سحب ثاني أكسيد الكربون ليس مبررًا للمزيد من الانبعاثات الكربونية
يقول الخبراء إن هذه المحطات المبكرة ستؤدي دورًا مهمًا في إثبات ما إذا كانت قادرة بالفعل على تقديم خدمة للبشرية فيما يتعلق بالتخلص من كميات ثاني أكسيد الكربون الهائلة، وبخاصة في ظل الانتقادات الموجهة إلى تقنيات إزالة الكربون حيث يرى البعض أن هذه التكنولوجيا مجرد إلهاء غير واقعي أو ذريعة لمواصلة استخدام الوقود الأحفوري.
لكن تقرير الأمم المتحدة لعام 2022 خلص إلى أن العالم ما زال حتى الآن على بعد آلاف الأميال من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وأن احتجاز بعض الكربون على الأقل أصبح الآن “لا مفر منه” إذا كانت البشرية تأمل تحقيق أهدافها المناخية.
كما أفاد تقرير آخر صادر عن وكالة الطاقة الدولية في 2022 أن العالم قد يحتاج إلى سحب ما يصل إلى 600 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا على نحو مباشر من الهواء، مشيرًا إلى أنه حتى الآن قد يصعب التنبؤ بحجم الدور الذي ستلعبه التكنولوجيا في مكافحة تغير المناخ في المستقبل.
ويعتقد علماء المناخ أنه بالرغم من مضي العالم قدمًا بصورة ملحوظة في سبيل تبني التكنولوجيا الخضراء، إلا أنه ستكون هناك بعض الانبعاثات العنيدة المتبقية بحلول عام 2050 في قطاعات مثل السفر الجوي والشحن وصناعة الصلب.
المصدر: واشنطن بوست
اشترك في نشرة نيو نيوز الإخبارية
كن أول يصله آخر الأخبار العربية والعالمية