منذ عام 2002 لم تشهد عملة اليورو تدهوراً مثل الذي تشهده اليوم، لا في الأزمة المالية العالمية سنة 2008 ولا في أزمة منطقة اليورو سنة 2010 ولا في أزمة كورونا سنة 2020، فلم يكد الاقتصاد الأوروبي يبدأ بالتعافي من أزمة كورونا لتتوالى الأزمات والمصائب عليه من كل حدب وصوب أدت إلى زيادة التضخم وإنكماش إقتصاد أوروبا.
أسباب تدهور اليورو
لعل أقوى سلاح استخدمه الأوروبيون حتى الآن ضد الروس بعد بداية غزوهم لأوكرانيا كان سلاح العقوبات الاقتصادية والتي كان لها أثر سلبي كبير على الإقتصاد الروسي والعملة الروسية الروبل قبل أن يبدأ البنك المركزي الروسي بالتدخل عن طريق رفع سعر الفائدة ومن ثم يطالب الرئيس الروسي بالدفع بالعملة الروسية الروبل مقابل الغاز مهددا بقطعه في حال لم تلتزم دول الإتحاد الأوربي بهذا القرار، وعليه تم قطع الغاز عن بولندا، بلغاريا، فلندا، الدنمارك، وهولندا، ولكي تزداد الأوضاع سوءاً اتخذ الإتحاد الأوروبي القرار بمنع استيراد النفط الروسي وهذا ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة معدلات التضخم في القارة الأوروبية.
وحيث إن المصائب لا تأتي فُرادى، رفع المجلس الإحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة بمقدار 0.25% في مارس من السنة الحالية، وبمقدار 0.5% في مايو، وبمقدار 0.75% في يونيو، وبمقدار 0.75% في يوليو، للسيطرة على معدل التضخم الذي يدمر القدرة الشرائية للمواطنين الأمريكيين وبما أن أمريكا صاحبة أقوى اقتصاد بالعالم أدى رفعهم لسعر الفائدة إلى نزوح رؤوس الأموال إلى البنوك الأمريكية.
وهذا ما دفع البنوك المركزية للدول لرفع سعر الفائدة أيضا لتجنب هذا السيناريو على عكس البنك المركزي الأوروبي الذي رفض بداية رفع سعر الفائدة خوفا من إضعاف النمو الاقتصادي في القارة الأوروبية وتوريطها في حالة ركود، ومن ثم قرر رفع سعر الفائدة بمقدار 0.5% في 21 يوليو بعدما قفز معدل التضخم السنوي إلى 9.6% في يونيو، وقالت كريستين لاغراد رئيسة البنك المركزي الأوروبي في وقتٍ سابق: “من الآن فصاعدا سنتخذ قرارات سياستنا النقدية على أساس البيانات المعتمدة. سنعمل شهراً بشهر وخطوة بخطوة”.
ولكن على الرغم من ذلك أدى هذا التفاوت في أسعار الفائدة إلى نزوح المستثمرين من أوروبا التي تعاني من تبعات الحرب الأوكرانية وذات أسعار الفائدة الرخيصة إلى أمريكا الأقل تأثراً بالحرب وذات أسعار الفائدة الأعلى وهذا يؤدي إلى بيع الأصول المقومة باليورو وشراء الأصول المقومة بالدولار مما يدفع بسعر الدولار للارتفاع وسعر اليورو للانخفاض وهذا ما تحقق فعليا في كل من 13 يوليو حيث هبط سعر اليورو إلى ما دون الدولار الأمريكي للمرة الأولى منذ عشرين عاماً قبل رفع سعر الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي، وفي 22 أغسطس بسعر 0.99 دولار ليعود للإستقرار على 1 دولار في 24 اغسطس.
ارتفاع أسعار الوقود قد يتسبب بانكماش الإقتصاد الأوروبي
لا يزال عملاق الصناعة الأوروبية ألمانيا تحصل على 30% من الغاز الذي تحتاجه من روسيا وبدون هذا الإمداد فإن القطاع الصناعي الألماني سينهار، وعلى الرغم من إعادة تفعيل روسيا لخط الغاز الإستراتيجي “نورد ستريم 1” الذي ينقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا بعد إجراء عمليات الصيانة على التوربينات التي تشغل الخط، إلا أن الروس تلاعبوا بكميات الغاز المصدرة عبر هذا الخط مما دعا وزير الطاقة الألماني إلى إعلان إن ألمانيا سوف تعيد تشغيل بعض محطات الكهرباء العاملة بالفحم بعد أن أعلنت إقفالها سابقا في إطار محاولتها للحفاظ على البيئة وذلك في إطار عملها لملئ مخزونات الغاز قبل فصل الشتاء القادم.
ولكن أتت مشكلة انخفاض منسوب المياه في نهر الراين الذي يؤمن طريق لنقل الفحم من المناجم إلى محطات الطاقة، كل هذا وذاك أدى إلى حالة رعب لدى المستثمرين وخوف من انهيار قطاع الصناعة الألماني دعتهم إلى النزوح بأموالهم باتجاه البنوك الأمريكية وبيع الأصول المقومة باليورو وبالتالي انخفاض قيمته!
وعلى الرغم من إن انخفاض قيمة العملة يجعل من قيمة الصادرات أرخص وهذا ما يجعلها تلقى أقبالا أكبر من الأسواق الخارجية إلا أن ارتفاع اسعار الطاقة بشكل متزايد وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج يؤدي إلى تلاشي أي أرباح قد تُحقق من زيادة الصادرات.
وختاما عزيزنا القارئ هل تظن إن مؤسسات الإتحاد الأوروبي ومؤسسات ألمانيا بالخصوص قادرة على تجاوز المشكلات التي تواجه الإقتصاد الأوروبي بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع روسيا أو أيران، أم أن عليهم انتظار الخلاص إلى حين سقوط الأمطار وارتفاع منسوب الأنهار.
شكرًا لقراءتكم هذا الخبر على نيو نيوز بزنس.. وندعوكم لمشاركته مع أصدقائكم ومشاركتنا آرائكم في التعليقات!
اشترك في نشرة نيو نيوز الإخبارية
كن أول يصله آخر الأخبار العربية والعالمية