يعيش المستهلك اليوم في عالم غارق في حملات التسويق لمنتجات وخدمات باتت تترصد تحركاته على الشبكة العنكبوتية لتستهدفه من كل حدب وصوب… ولا يكاد المرء يفتح مقلتيه في الصباح الباكر إلا وقد استقبله وابل من الدعايات عبر البريد الإلكتروني والرسائل النصية والإعلانات الرقمية التي تتسابق في اقتناص ما تبقى من رصيد بطاقته الائتمانية!
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل هذه الممارسات صحيحة أم خاطئة؟
المستهلك ضالة المسوق
في بحر العرض والطلب الذي يعج بحيتان العلامات التجارية التي تتصارع للوصول إلى فريستها من الزبائن، تجتهد فرق التسويق في الوصول إلى جمهورها المستهدف من خلال إجراء دراسة للسوق الذي يتضمن معلومات حول آخر توجهات الأسواق وتحركات المنافسين وسلوك المتعاملين، ويتم ذلك عبر تطوير خطة تسويق استراتيجية.
تكمن أهمية دراسة السوق في صناعة خطة تسويق تستند على علم وتحليل البيانات، لا على الاجتهادات، وبذلك يتمكن المسوق من وضع أول لبنة لقاعدة خطته التسويقية.
وإجابة على السؤال حول صحة محاولة الوصول إلى الزبون بشتى الطرق… أقول نعم، ولكن بالشروط التالية:
أولا – عدم الإفراط والمبالغة في تكرار استهداف الزبون
من المعروف أن لكل فعل رد فعل موازي له في المقدار ومعاكس له بالاتجاه، وذلك بحسب قانون نيوتن الفيزيائي الذي ثبتت صحته منذ عشرات السنين.
هذا، ومن المعروف أيضا أن المسوق قد بات باستطاعته إما الإثقال على جمهوره المستهدف من خلال تكثيف تكرار رسالة الدعاية الموجهة إليه بصورة مستفزة قد تدفع بالمتلقي إلى إلغاء اشتراكه في خدمة الرسائل النصية أو النشرة البريدية، على سبيل المثال… وإما مخاطبة جمهوره بإمعان وحكمة عبر تكرار الاتصال ولكن على فترات وأوقات محددة ومدروسة بعناية.
ثانيا – ضرورة مخاطبة الزبون بالرسالة المناسبة استنادا على مكانه في رحلة المتعامل
يمر المتعامل بسلسلة من خمس مراحل خلال عملية الشراء، تتمثل بالآتي:
معرفة الاحتياجات –> التعرف على المنتج –> مقارنة المنتجات –> الشراء –> ما بعد الشراء
تخيل مرورك ماشيا أمام وكالة للسيارات ووقوفك لبرهة كي تتأمل ملامح إحدى السيارات الفائقة الجمال… وفجأة وعلى حين غرة، قام أحد رجال المبيعات بشدك من ذراعك إلى داخل المعرض محاولا إقناعك بشراء تلك السيارة، كيف سيكون شعورك في تلك اللحظة؟
بالتأكيد ستكون حينها مبعثر المشاعر بين رغبتك الدفينة لشراء تلك السيارة وبين عدم استعدادك للشراء بحكم الواقع في تلك اللحظة ورغبتك الملحة في لكم وجه البائع! وهذا المثال يحاكي بالضبط شعور الزبون الذي تصله رسالة ترويجية تحثه على شراء سلعة ما مقابل سعر معين، قبل أن يتدرج في معرفته لتلك السلعة وفوائدها ومن ثم يبني قراره النهائي.
وحيث أن المستهلك هو ضالة المسوق، فإن الحرص على وضع مستهدفات وتحديد قنوات الوصول إلى الشريحة المستهدفة وتعريفها عن المنتج وما سينعم به المستهلك من الفوائد حال شراءه لذلك المنتج دون غيره من المنتجات الأخرى المنافسة، فإن المسوق سينجح في أسر قلب وعقل المستهلك… حتى قبل إتمام عملية الشراء.
كيف تأسر قلب وعقل المستهلك؟
بعيدا عن نظريات المؤامرة والخداع التي يتهم بها جزافا جل المسوقين، وكما قال تعالى: “إن بعض الظن إثم“، فمن رجاحة العاقل أن يؤمن بوجود أناس يتقنون عملهم ويهتمون بتعريفك عن غايات هويتهم وجودة منتجاتهم من خلال مداعبة حواسك… تفاءل، ولا تغرق نفسك بالحنق على ما مر بك من تجربة سيئة بالأمس.
“إن معايشتك لسيناريو فيديو ترويجي يحاكي قيادتك لسيارة توصلك إلى مقر عملك بسرعة وراحة وأمان، كفيل بأن يطبع في ذاكرتك طويلة الأمد فكرة إيجابية حول تلك العلامة التجارية. ومن خلال مشاهدتك لذلك الفيديو الذي يلامس واقعك ويخاطب آمالك عن سيارة أحلامك، فاعلم بأن وراء هذا العمل فريق تسويق يفهم احتياجاتك”.
هذا، وقد يقول أحدهم: مالي ومال هذه السيارة الباهظة الثمن التي لا أملك شراءها!؟ فيجزم بعض المنتقدون بفشل الحملة التسويقية التي لم تصل إلى جمهورها المستهدف، وهنا نقول: تريث يا أخا العرب، فلربما كان هدف الحملة هو “الوعي” أو “تعزيز الفكرة الإيجابية” وليس بالضرورة “البيع“، وإن كان البيع هو الغاية الأسمى حتما… إلا أن لكل حملة مستهدفاتها القريبة المدى أو البعيدة، ومن ليس بمقدوره اليوم الشراء فلربما سيهرول في المستقبل إلى أقرب فرع وكالة سيارات لتحقيق حلمه الذي لطالما عانق مخيلته.
التسويق السليم في التخطيط السليم
خلاصة القول أن التسويق هو فن وعلم وتخطيط استراتيجي وتنفيذ متقن: هو فن يتمثل بمهارة التصميم والإخراج الفني وعبقرية الرسالة… وعلم يتمثل بفهم بيانات السوق وتوجهاته وكيفية التفوق على المنافسة والوصول إلى الجمهور… واستراتيجية تخطيط من خلال تحديد الأهداف ومخاطبتهم في الزمان والمكان المناسب… وتنفيذ متقن ومرن ومراقب، ضمن موازنة مدروسة وبعد زمني محدد.
شكرًا لقراءتك هذا المقال على نيو نيوز كلمات.. وندعوك لمشاركته مع أصدقائك وسماع رأيك في التعليقات أدناه. اشترك مجانا في نشرة آخر الأخبار وكن أول من تصله آخر الأخبار العربية والعالمية!
المصدر: نيو نيوز
اشترك في نشرة نيو نيوز الإخبارية
كن أول يصله آخر الأخبار العربية والعالمية