لا يكاد يمر يوم دون الخوض في حديث حول الذكاء الاصطناعي أو حتى الإشارة إليه على عجالة، وذلك لما تبهرنا به هذه التقنية حول قدراتها التي تكون أشبه بالخارقة للطبيعة، حيث باتت تقنية الذكاء الاصطناعي قادرة على حل أصعب المسائل الرياضية ورسم أجمل اللوحات الفنية… إلا أن العالم لا يزال يقبع في غفلة عن تقنية أكثر تعقيدا ورعبا ستغير كل مفاهيمنا حول الذكاء الرقمي، ألا وهي الحوسبة الكمية.
لا شك أن إدراك الذكاء الاصطناعي اليوم لا يتعدى إدراك الجماد. ورغم أن بعض العلامات التجارية الكبرى – مثل جوجل – تدعي أن نظم الذكاء الاصطناعي قد أصبحت على قيد الحياة، لا تزال هذه التكنولوجيا تفشل في اداء المهام اليومية البسيطة المطلوبة منها. ويتضمن ذلك قيادة المركبات، خاصة عندما تواجه ظروفًا غير متوقعة تتطلب حتى أصغر ذرة من الحدس أو التفكير البشري.
والمخاوف التي تحيط بتطور الذكاء الاصطناعي ليست بالأمر الجديد، فقد سبق وحذر (إيلون ماسك) من أن التكنولوجيا قد تصبح أكبر تهديد وجودي للإنسانية، ما لم تنظمها الحكومات.
ولكن سواء تمكنت أجهزة الكمبيوتر من الوصول إلى مستوى ذكاء يضاهي الذكاء البشري أم لا، فقد أصبحنا بصدد الخطر مباشرة. وهذا لأن بعض الأفراد أو الجماعات أو الدول المتطرفة قد تستخدم نظم الذكاء الاصطناعي الغاشمة في مهام مختلفة، مثل مراقبة الأماكن ومراقبة الأفراد مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وربما إلى حد إطلاق الأسلحة الفتاكة.
وما يزيد الطين بلة هو غياب أي نظام ممنهج لاستخدام الذكاء الاصطناعي. بل أن بعض شركات التكنولوجيا الكبرى قد أصبحت المسيطر الوحيد على الوضع متجاهلين المخاطر المهولة التي قد تواجه البشرية.
وكل هذه العوامل سبب أدعى لتفادي تكرار الخطأ مرتين، فقد فشل العالم في السيطرة على الذكاء الاصطناعي بالفعل. ولكن دائمًا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! فهناك خطر أخر قادم باتجاهنا، ألا وهو الحوسبة الكمية، والتي قد تشكل خطرًا أكثر شراسة – خاصة إذا اجتمعت مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ونحن في أمس الحاجة إلى فهم التأثير المحتمل لهذه التكنولوجيا، لكي نتمكن من تنظيمها ومنع وصول الأشخاص الخطأ إليها قبل فوات الأوان.
فعلينا ألا نكرر الخطأ الذي ارتكبناه عندما رفض الجميع تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي!
الحوسبة الكمية مقابل الحوسبة التقليدة
وعلى الرغم من أنها لا تزال في مهدها، إلا أن الحوسبة الكمية تعمل على أساس مختلف تماما عن أجهزة الكمبيوتر الحالية. وإذا نجحت التجارب المختلفة التي تُجرى في جميع أنحاء العالم، فستصبح هذه الآلات هي الأقوى في العالم، حيث إن يمكنها أداء المهام المعقدة في ثوان معدودة، وهي نفس المهام التي قد تستغرق أجهزة الكمبيوتر التقليدية ملايين السنين لإتمامها.
فالأجهزة التقليدية تتواصل مع المعلومات على هيئة شفرة ثنائية الأرقام، ولهذا نسميها الأجهزة الرقمية. أما أجهزة الحوسبة الكمية تستخدم وحدة حوسبة جديدة كليًا، وهي (كيوبت – qubit). ويمكن لوحدة الكيوبت أن تحمل قيمتي 1 و0 في وقت واحد، ما يسمح بزيادة هائلة في قوة الحوسبة، والتي تنمو بشكل كبير مع كل كيوبت إضافي.
وإذا خرجت فيزياء الكم من المرحلة التجريبية وانتقلت إلى الحياة اليومية، سيكون لها العديد من الاستخدامات التي ستغير العديد من جوانب الحياة. ومع قدرتها على معالجة كميات هائلة من البيانات، يمكن لأجهزة الحوسبة الكمية أن تحسن من أنظمة التنبؤ بالطقس والتحليل المالي والتخطيط اللوجستي وأبحاث الفضاء واكتشاف الأدوية. ومن المحتمل جدًا أن يستخدمها البعض لأغراض غير نبيلة أيضًا، ما يعرض السجلات المصرفية والاتصالات الخاصة لخطر الاختراق.
وللتوضيح، لا تزال الحوسبة الكمية في مرحلة البداية — ولكننا لا نعلم إلى أي مدى ستتقدم. وبسبب قوة التكنولوجيا الهائلة وتطبيقاتها الثورية، من المحتمل أيضًا أن تلعب مشاريع الحوسبة الكمية دورا هامًا في الأبحاث الحكومية والعسكرية.
ولكن عادة ما تكتنف هذه الأبحاث السرية التامة، وهناك الكثير من الادعاءات والتكهنات حولها. ومن المعروف أن الصين وفرنسا وروسيا وألمانيا وهولندا وبريطانيا وكندا والهند تتابع هذه المشاريع. وفي الولايات المتحدة، تتنافس شركات مثل (آي بي إم) و(وجوجل) و(إنتل) و(مايكروسوفت) على التكنولوجيا الجديدة، بالإضافة إلى العديد من الشركات الناشئة والجامعات.
على الرغم من عدم وجود أي دعاية، فقد بدأنا نشهد تطبيقات عملية للتكنولوجيا بالفعل، بما في ذلك مجسات الكم القادرة على كشف وقياس الإشارات الكهرومغناطيسية. وقد تم استخدام أحد أجهزة الاستشعار هذه لقياس المجال المغناطيسي للأرض بدقة من محطة الفضاء الدولية.
وفي تجربة أخرى، نقل بعض الباحثون الهولنديون بضع البيانات عبر شبكة اتصالات كمية بدائية. ولم تظهر هذه التجارب أي تطبيقات عملية حتى الآن، لكنها يمكن أن تضع الأساس لشبكة الإنترنت الكمية المستقبلية، حيث يمكن نقل البيانات بشكل آمن عبر شبكة من أجهزة الحوسبة الكمية بسرعة الضوء. وحتى الآن، لم يكن ذلك ممكنُا إلا في أفلام الخيال العلمي!
اليوم، بدأت التجارب العملية في الجمع بين الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي، في محاولة لتجاوز حدود قدرة الحواسيب التقليدية. فمازالت تلك الحواسيب تستغرق شهورًا للتدرب بسبب العدد الهائل من الحسابات التي يجب إجراؤها—على سبيل المثال، يحتوي نظام أوبيناي جي بي تي-3 على 175 مليار مؤشر رقمي.
وعندما تنمو هذه النماذج إلى التريليونات من المؤشرات – وهو ما يتطلبه الأمر لتصبح أجهزة الذكاء الاصطناعي ذكية بالفعل – فإنها ستستغرق وقتًا أطول للتدريب. ويمكن لأجهزة الحوسبة الكمية تسريع هذه العملية بشكل كبير، والحد من الطاقة والمساحة المستخدمة.
بالنظر إلى النطاق الواسع والقدرات المحتملة لهذه التكنولوجيا، نجد أننا في أمس الحاجة إلى عدم تكرار الأخطاء التي ارُتكبت مع الذكاء الاصطناعي من قبل – حيث أفسح الفشل التنظيمي المجال للتحيز، ووضعنا أمام الخطر مباشرة.
وتكمن المخاطر في قدرة هذه الأجهزة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل، ما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة إذا كان هناك أي عيوب في البرمجة. ففي عام 2021، أصدر مجتمع تكنولوجيا الحوسبة الكمية دعوة لمعالجة هذه المخاوف على وجه السرعة. بالإضافة إلى ذلك، يجب حماية الملكية الفكرية العامة والخاصة بشأن تقنيات التمكين الكمي من السرقة وسوء المعاملة.
وهناك العديد من قضايا الدفاع الوطني المعنية كذلك. ويحذر الخبراء من مبادرات الصين في مجالات مختلفة من تكنولوجيا الكم. فقد تم انشاء اثنان من أقوى أجهزة الحوسبة الكمية في الصين، ومنذ عام 2017، قام العلماء في جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية ببناء أول شبكة اتصالات كمية في العالم باستخدام الأقمار الصناعية المتقدمة.
ولكن من المؤكد أن هذه المشاريع التي تم الكشف عنها علنًا هي مجرد آلات علمية لإثبات الفكرة فحسب، فليس لها أي تأثير على الجدوى المستقبلية للحوسبة الكمية.
رغم ذلك، لا بد من عدم التهاون في تنفيذ الضوابط المطلوبة على المطورين والمستخدمين لهذه التكنولوجيا. كما يجب تأمين براءات الاختراع والأسرار التجارية المتصلة بحقوق الملكية الفكرية لكل ما يخص الحوسبة الكمية.
وأخيرا، لتجنب المشاكل الأخلاقية التي حدثت مع الذكاء الاصطناعي، تحتاج الدول إلى وضع ضوابط قانونية وأخلاقية تتوافق مع قوة التكنولوجيا.
ويجب على الحكومات أن تبدأ على وجه السرعة في التفكير في اللوائح والمعايير المطلوبة لاستخدام هذه التكنولوجيا – والتعلم من الطريقة التي تعاملت بها بعض البلدان (أو أساءت التعامل) مع التقنيات الثورية الأخرى، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي،ي وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، والانشطار النووي.
شكرًا لقراءتك هذا الخبر على نيو نيوز تكنولوجيا.. وندعوك لمشاركته مع أصدقائك وسماع رأيك في التعليقات أدناه. اشترك مجانا في نشرة آخر الأخبار وكن أول من تصله آخر الأخبار العربية والعالمية!
المصدر: وكالات
اشترك في نشرة نيو نيوز الإخبارية
كن أول يصله آخر الأخبار العربية والعالمية