تعتبر مشكلة السمنة من أخطر المشكلات الصحية التي يتهافت أصحابها نحو محاولة إيجاد حل سريع يجعلهم ينقصون أوزانهم بين عشية وضحاها، وبخاصة أن اتباع الحميات الغذائية وممارسة التمارين الرياضية تعتبر من الحلول طويلة الأمد التي قد تؤتي ثمارها بعد فترات طويلة. وبالتالي، فقد ذاع صيت فوائد إبر إنقاص الوزن، مثل أوزمبك، بمجرد حديث العلماء عنها، رغم أضرارها.
وربما يرجع سبب شهرة إبر التنحيف إلى كونها مرتبطة بمشكلة صحية شائعة وحساسة في الوقت ذاته – وهي السمنة – التي تحمل الكثير من الأبعاد النفسية والمخاطر الصحية في جعبتها، فهي لا تتعلق بالصحة فحسب، بل تعكس مدى تقدير الإنسان لذاته، وثقته بنفسه أمام الآخرين أيضًا… مما يدفع البعض إلى المخاطرة بهدف الحصول على جسم متناسق، بغض النظر عن العواقب الجسيمة!
نيو نيوز - صحتك
تزايد الطلب على إبر التنحيف في المملكة المتحدة
ولعل ما حفز الإقبال على الدواء الجديد بصورة فائقة هو ظهور المؤثرين الذين أشادوا بالنتائج الرائعة والسريعة لتلك الإبر المعجزة – على حد تعبير البعض- وهذا يشبه تقريبًا ما حدث في التسعينات عندما ظهر الفياجرا، فقد كانت الضجة الإعلامية والمجتمعية كبيرة حيث اعتبره الكثيرون آنذاك حلًا سحريًا لجميع مشكلاتهم.
ذكرت مصادر أن هناك طلباً متزايداً على عقار إنقاص الوزن Wegovy منذ اعتماده في المملكة المتحدة قبل 11 شهرًا، ويأتي ذلك بعد نتائج التجارب المذهلة التي كشفت أن المرضى الذين يعانون البدانة فقدوا في المتوسط 15 كيلوغرامًا في عام واحد. فيما يعد نتيجة مذهلة بالمقارنة بكافة حيل وأدوية إنقاص الوزن المتعارف عليها.
مادة “سيماجلوتايد” تساعد على الوقاية من السرطان ولكنها قد تسبب الإصابة بالعمى
وكما هو الحال مع أي دواء جديد، فإن العلماء يواصلون البحث في نتائجه وآثاره بشكل متواصل. فبالإضافة إلى تحفيز فقدان الوزن – نتيجة للمادة الفعالة سيماجلوتيد التي تجعل المستخدمين يشعرون بالشبع – فقد ربطت الدراسات أيضًا الدواء بمجموعة لا حصر لها من الآثار الجانبية، سواء كانت جيدة أو سيئة.
فقد رُصِد انخفاض واضح في خطر الإصابة بالسرطان ومشاكل القلب لدى بعض المرضى، ولكن لاحظ العلماء أيضًا تسجيل بعض الحالات المصابة ببعض مشكلات الجهاز الهضمي والعمى.
والخطير أيضًا أن العديد من الأشخاص يشترون ما يعتقدون أنه سيماجلوتيد من مصادر غير موثوقة عبر الإنترنت، مما يعرضهم لخطر الإصابة بمجموعة من المضاعفات الأخرى. مما يؤكد ضرورة خضوع تداول العقار الجديد لمزيد من الرقابة بحيث لا يتم تناوله إلا تحت إشراف الطبيب المختص.
أضرار وفوائد إبر إنقاص الوزن
صحيح أنه لم يمضِ وقت طويل على بدء تجارب “إبر التنحيف” إلا أنه قد ظهرت بعض المؤشرات التي توضح أبرز الآثار الجانبية لها، ولا يعني ذلك الحديث عن الجانب المظلم من القصة فحسب، بل ثمة بعض الجوانب التي تدعو إلى التفاؤل أيضًا.
فلنبدأ أولاً بسرد المخاطر التي رصدها العلماء عن إبر إنقاص الوزن:
الإصابة بالعمى
بدأ الأطباء في مستشفى ماساتشوستس لأمراض العيون والأذن في بوسطن في البحث عما إذا كان هناك علاقة بين إبر التنحيف والإصابة بالعمى، وذلك بعد تسجيل ثلاث حالات إصابة بفقدان البصر في غضون أسبوع واحد، حيث كانوا جميعًا يتناولون أدوية إنقاص الوزن مثل أوزمبك Ozempic أو ويجوفي Wegovy.
ويحتوي كلا العقارين على سيماجلوتيد بتركيزات مختلفة. صحيح أنه لا يتم وصف أوزيمبيك إلا لمرضى السكري من النوع الثاني في المملكة المتحدة، إلا أن بعض الأطباء يصفونه لمرضى السمنة أيضًا. بينما ويجوفي فقد خُصِّص لمساعدة المرضى الذين يعانون زيادة الوزن فقط.
راجع الأطباء البيانات المتعلقة بحوالي 17,000 مريض على مدار ست سنوات، حيث وجدوا أن الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني الذين يتناولون عقار سيماجلوتيد كانوا أكثر عرضة بأربع مرات على الأقل للإصابة باعتلال العصب البصري الأمامي الإقفاري غير الشرياني (NAION) وكان الأشخاص الذين يعانون السمنة الذين يتناولون الدواء أكثر عرضة للإصابة به بسبع مرات.
ويعتبر (NAION) من الأمراض غير الشائعة، فهو قد يصيب واحدًا من كل عشرة آلاف شخص، ويسبب العمى المفاجئ غير القابل للشفاء. حيث تحدث الإصابة نتيجة نقص تدفق الدم الكافي إلى العصب البصري، وعادة ما يعاني الأشخاص من فقدان مفاجئ للرؤية في إحدى العينين عند الاستيقاظ من النوم بصورة مباغتة ودون الشعور بأي ألم. وحتى الآن لا يوجد علاج لهذه الحالة وغالبًا لا تتحسن الرؤية بعد الإصابة إطلاقا.
في الواقع، فإنه يوجد دراسة واحدة رصدية تؤكد العلاقة الوثيقة بين السيماجلوتايد والإصابة بالعمى، مما يستدعي المزيد من البحث قبل تقديم الاستنتاجات الأخيرة، ولكن ينبغي أيضا توخي الحذر من وجود بعض فرص الإصابة بهذا المرض الخطير والنادر في الوقت ذاته قبل البدء في التطبيق الواسع لعقاقير إنقاص الوزن الجديدة.
اضطرابات الجهاز الهضمي
كشفت التجارب التي أجريت على عقار سيماجلوتيد أن نحو ثلاثة أرباع المشاركين الذين تناولوا جرعة أسبوعية 2.4 ملجم قد أبلغوا عن إصابتهم بشكل أو أكثر من اضطرابات الجهاز الهضمي كالشعور بالغثيان والإسهال والقيء والإمساك.
واعترف الباحثون أنه بالرغم من أن حالات الإصابة باضطرابات المعدة لم تكن شديدة عادة، فقد قرر 7% من المشاركين ترك التجربة لهذا السبب.
ويقول الدكتور سيمون كورك، محاضر في علم وظائف الأعضاء في جامعة أنجليا روسكين:
“قد يعاني غالبية الأشخاص الذين يتناولون عقار سيماجلوتيد من بعض الآثار الجانبية المعوية، على الأقل بشكل عرضي. وتميل هذه الآثار إلى أن تكون خفيفة، ولكنها قد تكون في بعض الحالات شديدة بما يكفي للتوقف عن تناول الدواء”.
وأشار البروفيسور نافيد ساتار استشاري أمراض القلب والأوعية الدموية إلى تراجع الآثار الجانبية المرتبطة بالجهاز الهضمي بمرور الوقت عندما يبدأ الناس بالفعل في تناول كميات أقل من الطعام نتيجة للشعور بالشبع الناتج عن تناول السيماجلوتيد.
كما أوصى بضرورة أن تبدأ خطة العلاج من خلال تناول المرضى لجرعات منخفضة بصورة تدريجية، لافتًا إلى دور الأطباء في توجيه المرضى نحو كيفية الحد من الآثار من خلال اختيار الأطعمة سهلة الهضم، مثل الحساء والزبادي، وشرب المزيد من الماء وتجنب الأطعمة المحلاة بالسكر، والأطعمة الحارة.
ولاحظ الدكتور كورك أن الآثار الجانبية للسيماجلوتيد، بما في ذلك مشاكل الجهاز الهضمي، تبدو أسوأ بين الأشخاص الأكثر رشاقة الذين ليس لديهم وزن كبير ليخسروه، ولكنهم يرغبون فقط في الحصول على وزن أفضل.
هذا بالمقارنة بالأشخاص الذين يعانون السمنة بالفعل، والذين تشكل زيادة أوزانهم قنبلة موقوتة قد تفتك بهم في أية لحظة، وبالتالي فإن الآثار الجانبية الهضمية تتضاءل لديهم في تلك الحالة أمام عظم خطر السمنة على حياتهم.
حالة الوجه الأوزمبي
قال العلماء إن الأشخاص الذين خسروا وزنهم بصورة سريعة بعد تناول عقار السيماجلوتيد شكوا ظهور تجاعيد في البشرة وترهل الجلد، ومظهر باهت للوجه بشكل عام، مما يعرف بـ “الوجه الأوزمبي” أو Ozempic Face.
ويقول البروفيسور ساتار:
“إن الأشخاص الذين لا يعانون السمنة، ولكنهم يتناولون السيماجلوتيد على نحو خاص لفقدان الوزن قد يعانون من هذا التأثير الجانبي، محذرًا من خطورة الفقدان السريع للوزن. لذا فقد أوصى بضرورة تناول جرعات صغيرة بهدف خسارة الوزن بصورة تدريجية”.
تساقط الشعر
أفاد بعض مستخدمي السيماجلوتيد بمعاناتهم من تساقط الشعر الشديد، وظهور الصلع بشكل جزئي في فروة الرأس. ويعتقد الباحثون أنه قد يكون بسبب تساقط الشعر الناجم عن تغيير في الجسم، مثل فقدان الوزن السريع. ولكن المؤسف هنا أنه قد يتوقف التساقط عندما يستقر وزن الشخص، إلا أن الشعر لن ينمو مجددا بالضرورة.
والآن لنبتعد قليلًا عن أضرار إبر إنقاص الوزن، ولنتعرف سويًا على بعض فوائدها:
تقليل احتمالية الإصابة بمرض السرطان
من المتعارف عليه في الأوساط الطبية أن زيادة الوزن أو السمنة تزيد خطر الإصابة بالسرطانات – بما في ذلك سرطان الثدي والأمعاء والبنكرياس – لأن الدهون الزائدة في الجسم ترسل إشارات إلى الجسم لتحفيز انقسام الخلايا على نحو متكرر، مما قد يؤدي إلى تكوين الأورام.
وبالرغم من أنه لم يتم الكشف عن انخفاض خطر الإصابة بالسرطان في تجربة Select، وهي أكبر وأطول دراسة للسيماجلوتيد، إلا أن الأبحاث اللاحقة تشير إلى أن السيماجلوتيد يمكن أن يحمي من المرض الخطير. فقد فحصت إحدى التجارب بيانات أكثر من 34,000 مريض يعانون السمنة، والذين إما استخدموا حقنة إنقاص الوزن مثل السيماجلوتيد، أو خضعوا لجراحة السمنة، أو لم يتلقوا أي علاج على مدى فترة 15 عامًا.
وأظهرت النتائج، التي عُرضت في مؤتمر الجمعية الأمريكية لعلوم الأورام السريرية في يونيو، أن خطر الإصابة بـ 13 نوعًا من السرطان المرتبط بالوزن كان أقل بنسبة 19 في المائة بين المرضى الذين تناولوا أدوية إنقاص الوزن والخاضعين لجراحات السمنة. فضلا عن ذلك، كان أولئك الذين يتناولون الحقنة أقل عرضة للوفاة بسبب السرطان، مما يشير إلى أن أدوية التخسيس قد تسهم في الحد من فرص الإصابة بذلك المرض الفتاك.
تعزيز صحة القلب
وجد العلماء في جامعة كوليدج لندن الذين نظروا في البيانات من تجربة Select أن السيماجلوتيد يقلل من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية والوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة الخمس.
ويعتقد الباحثون أن هذا التأثير ليس مجرد نتيجة لوصول المستخدمين إلى وزن أكثر صحة، ولكن السيماجلوتيد له تأثير وقائي إضافي للحماية من أمراض القلب المزمنة.
ويقول بروفسير ساتار:
“من المحتمل أن يكون للدواء الجديد تأثيرًا مباشرًا على القلب والأوعية الدموية، حيث يعمل على إبطاء تراكمات الدهون أو الكوليسترول، والتي تعرف بـاللويحات الضارة والتي تؤدي إلى الإصابة بالنوبات القلبية”.
كما أظهر بحث آخر تحسنًا كبيرًا في الأعراض بين مستخدمي السيماجلوتيد الذين يعانون قصور القلب. وذلك لأن منع تراكم اللويحات يسمح للقلب بأن يضخ بشكل طبيعي، أما في حالات السمنة، فإن كثرة الدهون والكوليسترول قد تحول دون وصول كميات مناسبة من الدم إلى القلب، مما يشكل خطرًا كبيرًا على حياة الشخص البدين.
خفض خطر الإصابة بالخرف وإبطاء تقدم مرض الزهايمر
أفاد باحثو جامعة أكسفورد في يوليو أن عقار سيماجلوتيد قد يقلل من خطر الإصابة بالخرف إلى النصف، حيث راقب الباحثون 130 ألف مريض بالسكري في الولايات المتحدة لمدة عام، والذين كانوا يتناولون عقار أوزيمبيك أو غيره من أدوية السكري، وقارنوا معدلات الحالات العصبية لديهم.
وأظهرت النتائج أن خطر الإصابة بالخرف انخفض بنسبة 48 في المائة بين المرضى الذين يتناولون عقار سيماجلوتيد، مقارنة بالأدوية الأخرى. وقال الفريق إن هذا يوفر “أول دليل قوي” على أن العقار يمكن أن يعزز صحة الدماغ.
يقول البروفيسور ساتار:
“نعلم أن عوامل الخطر للإصابة بالخرف تشمل ارتفاع ضغط الدم والسكتات الدماغية والنوبات القلبية وارتفاع مستوى السكر في الدم والسمنة – وأن العقاقير من فئة GLP-1 مثل سيماجلوتيد تقلل من خطر كل هذه العوامل”.
وتعزز دراسة من إمبريال كوليدج لندن استنتاجات الدراسة الجديدة حول تأثير السيماجلوتيد. حيث تتبع الباحثون أكثر من 200 مريض مصاب بدرجات متوسطة من مرض الزهايمر، وتم إعطاء نصفهم ليراجلوتيد، الذي يعمل بنفس طريقة السيماجلوتيد، وأظهرت النتائج أن التدهور المعرفي انخفض بنسبة تصل إلى 18 في المائة، بعد عام واحد من العلاج، مما يشير إلى أن الحقن أبطأت من تقدم المرض.
المساعدة على الإقلاع عن التدخين
إلى جانب الحد من الشهية، يُعتقد أن السيماجلوتيد يقلل من الرغبة في التدخين، فقد أفاد الأشخاص الذين يتناولون الدواء دون إشراف طبي بانخفاض الاهتمام بالتدخين في غضون شهر من تناول الأدوية، وقد تم تسجيل هذا التأثير في دراسات أجريت على الحيوانات أيضا.
والآن، وجد الباحثون الذين تابعوا نحو 220 ألف مريض يتناولون أدوية السكري، أن احتمالات تشخيص إدمان التبغ لدى المستخدمين أقل بنحو الثلث. وأشار الفريق، من المعهد الوطني لتعاطي المخدرات في الولايات المتحدة، إلى أن هناك حاجة إلى إجراء تجارب أكبر لتأكيد تلك النتائج.
المصدر: تلغراف
اشترك في نشرة نيو نيوز الإخبارية
كن أول يصله آخر الأخبار العربية والعالمية