نشهد الآن موجة جديدة من برامج الدردشة الآلية “الشات بوتس” التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي تشكل خطر محدق على محركات البحث التقليدية التي اعتدنا عليها.. فما قصة شات جي بي تي وتهديده لعرش جوجل؟
تطور سريع لتقنيات وأدوات البحث
على مدى العقود الثلاثة الماضية، قامت حفنة من الشركات الكبيرة، مثل (نتسكيب) و(جوجل) و(أبل) بتطوير تكنولوجيا متصفحات الويب الخاصة بها بشكل استثنائي، ما جعل جميع منتجات التكنولوجيا السابقة تبدو وكأنها قد أتت من العصر الحجري.
ولكن منذ ثلاثة أسابيع فقط، شهد العالم ظهور وحش جديد ليقلب مجال محركات البحث رأسًا على عقب، وهو روبوت الدردشة التجريبي الذي يسمى (شات جي بي تي). وهناك أكثر من دليل على ذلك، ومنها أنه يقدم المعلومات في صورة جمل واضحة وبسيطة، عوضًا عن تقديم مجموعة من الروابط الإلكترونية فحسب. ما يعني أن (شات جي بي تي) يفسر المفاهيم بطريقة بسيطة، فيفهمها الناس بسهولة ويسر. كما أنه قادر على ابتكار الأفكار من لا شيء، بما في ذلك وضع استراتيجيات الأعمال، واختيار الهدية المناسبة لصديقك المقرب. بل ويمكنك أن تطلب منه أن يخطط لك عطلتك المقبلة من الألف إلى الياء.
جوجل في قلق شديد من تهديد شات جي بي تي
على الرغم من أنه لا يزال هناك مجال لتحسين (شات جي بي تي)، فقد تسبب اطلاقه في قلق شديد لشركة (جوجل)، ما كان بمثابة دق ناقوس الخطر! ويخشى البعض من أن الشركة تقترب من اللحظة التي يتحدث عنها الجميع في (سيليكون فالي) – وهي وجود تنافس ضارِ في التغيير التكنولوجي، ما قد يلحق الضرر بالمجال ويؤدي إلى انتهائه بشكل عام.
ولأكثر من 20 عامًا، كان محرك البحث (جوجل) بمثابة البوابة الرئيسية للإنترنت حول العالم. ولكن مع وجود نوع جديد من التكنولوجيا مستعد لإعادة اختراع أو حتى استبدال محركات البحث التقليدية، قد تواجه جوجل أول تهديد حقيقي في المجال. لدرجة أن أحد المسؤولين التنفيذين في جوجل قد وصف الوضع بأنه مسألة حياة أو موت بالنسبة لمستقبل الشركة.
ومن الجدير بالذكر أن الشركة التي اطلقت (شات جي بي تي) هي شركة أبحاث قوية أسمها (OpenAI)، وكانت شركة جوجل نفسها من بين العديد من الشركات والمختبرات والباحثين الآخرين الذين ساعدوا في بناء هذه الشركة وهذه التكنولوجيا. لكن الخبراء يعتقدون أن عملاقة التكنولوجيا قد تكافح للتنافس مع الشركات الأحدث والأصغر التي تطور روبوتات الدردشة هذه، بسبب الطرق العديدة التي يمكن أن تلحق بها التكنولوجيا الضرر بأعمالها.
“هذا وقد أمضت جوجل عدة سنوات في العمل على الشات بوتس، ومثل شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، كانت تسعى وراء تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بقوة. وقد طورت جوجل بالفعل روبوت يمكنه أن يتنافس مع (شات جي بي تي). ففي الواقع، باحثو جوجل هم المطورون الحقيقيون للتكنولوجيا التي يعتمد عليها (شات جي بي تي)”.
وهي تكنولوجيا تسمى (LaMDA – Language Model for Dialogue Applications) أو نموذج اللغة لتطبيقات الحوار الثنائي. هذا وقد تلقى روبوت الدردشة الخاص بجوجل اهتمامًا كبيرًا في الصيف الماضي، عندما زعم المهندس (بليك ليمون) أنه روبوت واعي. وبالطبع هذا لم يكن صحيحًا، لكن التكنولوجيا أظهرت مدى تحسن تقنية روبوتات الدردشة في الأشهر الأخيرة.
ومازالت جوجل مترددة في إطلاق هذه التكنولوجيا كبديل لمحرك البحث الاعتيادي، نظرًا لأنها لا تتماشى مع تسويق الإعلانات الرقمية، والتي شكلت 80% من عائدات الشركة في العام الماضي.
هذا وقد قالت (مارجريت أومارا)، الأستاذة المتخصصة في تاريخ (سيليكون فالي) في جامعة واشنطن:
“لا توجد شركة لا تقهر؛ جميعهم ضعفاء بشكل أو بأخر… ولكن من الصعب تقليد الشركات التي أصبحت ناجحة بشكل غير عادي في القيام بشيء واحد بعينه”.
سلبيات روبوتات الذكاء الاصطناعي في عمليات البحث
يجب أن نذكر الجوانب السلبية لهذه التكنولوجيا كما ذكرنا الإيجابيات، رغم أنكم، في الأغلب، قد تكونوا استنتجتموها بالفعل. فهذه الروبوتات تبني مهاراتها من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات المنشورة عبر الإنترنت، ما يجعلها تمزج بين الحقيقة والخيال في بعض الأحيان. فيمكن أن تقدم معلومات قد تكون منحازة ضد النساء مثلًا.
وكل ذلك يمكن أن يقلب الناس ضد جوجل ويضر بالعلامة التجارية التي أمضت عقودًا في بنائها. وعلى الجانب الأخر، قد تكون الشركات الجديدة أكثر استعدادًا لتحمل الشكاوى في مقابل النمو، مثلما فعلت شركة (OpenAI).
حتى ولو تمكنت جوجل من الحد من الجوانب السلبية، فهناك قضية أخرى: هل هذه التكنولوجيا ستلحق الضرر بالإعلانات الإلكترونية؟ فإذا كان روبوت الدردشة يستجيب للاستعلامات بجمل بسيطة وواضحة، فلن يكون هناك سببًا يجعل الناس تنقر على الروابط الإعلانية.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عوض الله، الذي عمل في ياهو وجوجل، ويدير الآن شركة (فيكتارا)، وهي شركة ناشئة تقوم ببناء تقنية مماثلة:
“لدى جوجل مشكلة في نموذج الأعمال، فإذا كان محرك البحث يعطيك الإجابة المثالية لكل استعلام أو سؤال، لماذا ستنقر أنت على أي من الروابط الإعلانية؟”
وعلى الجانب الأخر، شارك (ساندر بيتشاي)، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، في سلسلة من الاجتماعات لتحديد استراتيجية الذكاء الاصطناعي لجوجل، وقد صب اهتمامه على عمل العديد من المجموعات داخل الشركة للرد على التهديد الذي يشكله (شات جي بي تي). كما تم تكليف الموظفين ببناء منتجات يمكنها إنشاء أعمال فنية وصور أخرى بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مثل (دال إي – DALL-E) وهو المنتج الذي طورته شركة (OpenAI)، والذي استخدمه أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
ومن الآن وحتى مؤتمر كبير من المتوقع أن تستضيفه جوجل في مايو، تم إعادة تعيين فرق بأكملها من أقسام الأبحاث والثقة والسلامة والإدارات الأخرى للمساعدة في تطوير وإطلاق نماذج ومنتجات تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ويعتقد خبراء الصناعة أنه يجب على جوجل أن تقرر ما إذا كانت ستتخلى عن محرك البحث الخاص بها وتجعل روبوت الدردشة وجه خدمتها الرئيسية في أسرع وقت ممكن.
تجارب فاشلة من مايكروسوفت وميتا
ولكن جوجل ما زالت مترددة في اتخاذ ذلك القرار، نظرًا إلى الجوانب السلبية التي قد ذكرناها من قبل. وليست جوجل الوحيدة التي تواجه هذه المشكلة. فقبل خمس سنوات، أصدرت مايكروسوفت روبوت دردشة يدعى (تاي)، والذي كان يجيب على أسئلة الناس بلغة عدائية وألفاظ غير لائقة، ما اضطر مايكروسوفت لإزالته على الفور من الإنترنت بلا عودة. وفي الاسابيع الاخيرة، تراجعت شركة (ميتا) عن إطلاق منتج مشابه لكثير من الأسباب نفسها.
وقال مسؤولون تنفيذيون في الاجتماع المسجل لـ(نيويورك تايمز) إن جوجل تعتزم إطلاق التكنولوجيا التي طورت روبوت الدردشة الخاص بها كخدمة حوسبة سحابية للشركات الخارجية، وأنها قد تدمج التكنولوجيا في مهام دعم العملاء البسيطة. وستحافظ على معايير الثقة والسلامة الخاصة بها للمنتجات الرسمية، ولكنها ستصدر أيضًا نماذج أولية لا تعتني بهذه المعايير.
وستختص مجموعة صغيرة بتجريب تلك النماذج، بعد تحذير المستخدمين من اللغة العدائية التي قد يتلقونها.
منذ إطلاقه في اليوم الأخير من شهر نوفمبر، تم استخدام (شات جي بي تي) من قبل أكثر من مليون شخص. وقبل ذلك بشهر، قال (زوبين غهرماني)، الذي يشرف على مختبر الذكاء الاصطناعي بجوجل، أنها خطوة لطيفة من شركة (OpenAI)، ولكنها ليست بالشيء الذي سيقلب المجتمع رأسًا على عقب كما يعتقد البعض. فلا يمكن للناس استخدامه بشكل موثوق أو بصورة يومية.
وعلى الجانب الأخر، تعمل جوجل بالفعل على تحسين محرك البحث الخاص بها باستخدام نفس التكنولوجيا التي تدعم روبوتات الدردشة.
حيث تساعد هذه التقنية محرك بحث جوجل على إبراز النتائج التي تهدف إلى الإجابة مباشرة على السؤال المطروح. ففي الماضي، إذا كنت قد كتبت ”هل يقف الأطباء كثيرًا أثناء العمل؟” في محرك بحث جوجل، فإنه لم يكن ليفهم ما كنت تسأل. الآن، جوجل يستجيب بشكل صحيح عن طريق عرض فقرة قصيرة تصف حياة الأطباء أثناء العمل.
ويعتقد العديد من الخبراء أن جوجل ستستمر في اتباع هذا النهج، حتى تحسن من محرك البحث تدريجيًا عوضًا عن التخلي عنه واستبداله بشكل تام.
وتعمل العديد من الشركات الأخرى مثل (فيكتارا) و(نيفا) على تعزيز تكنولوجيا البحث بطرق مماثلة. ولكن مع استمرار الشركات الجديدة، مثل (OpenAI)، في تطوير روبوتات الدردشة ومعالجة الجوانب السلبية، تزداد احتمالية استبدال محركات البحث القديمة.
والفائز هو من يصل إلى تلك المرحلة أولَا.. فمن يا ترى سيكون؟
شكرًا لقراءتك هذا الخبر على نيو نيوز تكنولوجيا.. وندعوك لمشاركته مع أصدقائك وسماع رأيك في التعليقات أدناه. اشترك مجانا في نشرة آخر الأخبار وكن أول من تصله آخر الأخبار العربية والعالمية!
المصدر: نيويورك تايمز
اشترك في نشرة نيو نيوز الإخبارية
كن أول يصله آخر الأخبار العربية والعالمية